تقرير الجلستين العلميتين:
إعداد وتنسيق: الطلبة الباحثين
حسن سكران، ايوب ترجليت
الحسن العباسي، رشيد سبعيين، براهيم العباسي
طلبة ماستر الدراسات الصحراوية والافريقية
كلية الاداب والعلوم الانسانية جامعة ابن زهر
السنة الجامعية
2022/2023
تقديم عام
لم يكن أبدا المجال الصحراوي حاجزا أمام التنقلات البشرية، منذ التدافعات البشرية القديمة، ولم يؤثر في مسار التطورات المجالية. ومن هذه الأهمية فإن المجال الصحراوي، ساهم في خلق قنوات التواصل والتثاقف، مابين فضاءاته، عبر التواصل الاقتصادي، كعامل مادي مساهم في خلق جسور أخرى في المجال، سواء دينية ثقافية، سياسية وإجتماعية.
تعد حاضرة كلميم واد نون، من أهم الحواضر الاقتصادية والاجتماعية، وكدا الدينية، مساهمة بحصتها الوفيرة في بروز الفضاء الصحراوي، عبر استقطاب التجار والعلماء والسياسيين، ومختلف الفئات الاجتماعية. اضطلعت الحاضرة بهذه الأدوار وأخرى، عبر تاريخها الممتد، وشهدت الوثائق ومختلف أنواع المخطوطات، على سياقات التأثير والتأثر مع الأطراف المجاورة، أو في إطار انصهار المجال في كيان واحد عبر العلاقات المختلفة.
لازالت حاضرة كلميم واد نون، تشهد بعضا من أدوارها وما ساهمت به من تواصل مع دول أفريقيا جنوب الصحراء، ولعل من الأدوار التي عرفتها الحاضرة هذه الأيام, ما هو متعلق بالجانب الديني العلمي، وذلك في استقطاب أساتذة وعلماء والعارفين بالله، من مختلف الدول الأفريقية: مالي، السنغال، موريتانيا، نيجيريا، تونس، ليبيا، وخارج القارة من الإمارات العربية المتحدة وقطر، بالإضافة إلى المملكة المغربية، المحتضنة للملتقى.
وعليه فإن مركز تكوصت للتوثيق لمنتدى الأبحاث والدراسات، بشراكة مع مجمع الشيخ سيدي المختار الكنتي، وبدعم من الاتحاد العام للهيئات والزوايا القادرية ذات السند الكنتي بالقارة الأفريقية، وبتنسيق مع ماستر الدراسات الصحراوية والأفريقية، نظم ملتقى دولي علمي، في دورته الثانية، أيام 27-28-29-30-31 أكتوبر 2022م، بمدينة كلميم، وتخللته بقاعة العروض والاستقبال، لقاءات علمية تندرج ضمن موضوع، “المدرسة الكنتية قناة للتواصل بين المغرب وأفريقيا جنوب الصحراء”، دورة الشيخ سيدي المختار الكنتي.
هذا وبحضور مجموعة من الأساتذة والعارفين بالله، من مختلف دول أفريقيا جنوب الصحراء وخارج القارة، وطلبة باحثين من جامعات مغربية مختلفة، انطلقت فعاليات اللقاءات العلمية، بكلمة ترحيبية من الدكتور أحمد باب حم لامين، رئيس المجمع الشيخ سيدي المختار الكنتي نواكشوط، رحب من خلالها بالحضور، وقدم كلمة بخصوص أهمية الملتقى في تجسيد روابط التواصل بين المغرب وأفريقيا جنوب الصحراء، وأهمية دراسة شخصية الشيخ سيدي المختار الكنتي، وأدواره التاريخية ومساهمته في مجال أفريقيا جنوب الصحراء.
وبعدها ترأس الدكتور عبد الودود عبدالله الهاشم،- قادما من جامعة نواكشوط العصرية- ، الجلسة الأولى، والموسومة ب: الجذور المغربية للزاوية الكنتية المختارية، ودورها في تأصيل المرجعية التناغم والتواصل.
ونظرا لأهمية الموضوع، عرفت الجلسة تأطيرها من طرف الأستاذين، الأستاذ مولاي الطيب الوزاني الشاهدي قادما من جامعة عبدالمالك السعدي، والأستاذ الباحث سيدي عمر ولد شيخنا، رئيس المركز الموريتاني للأبحاث والإستشارات.
تناول الأستاذ الطيب الوزاني الشاهدي، مداخلته القيمة وعنوانها: “الجذور التي أسست لها المدرسة الكنتية في محطاتها المختلفة”، معتبرا المدرسة الكنتية، قناة للتواصل بين المغرب وأفريقيا جنوب الصحراء، وكذا تبلغ الأهمية درجات مختلفة، خاصة في انتشار أوراد الزاوية، وطلبها من طرف المريدين من كافة الحواضر، على غرار توات وتيكورارين.
أدى انتشار الزاوية بالبلاد المغربية، إلى تأثيرها على مجموعة من المغاربة، وتأثر الساسة بها، ووصل التأثر إلى الحركة التأليفية المغربية، التي تنسج على منوال كتب الشيخ سيدي المختار الكنتي، كما أن الكتابة الصوفية وجدت التربة الملائمة في المغرب، للاكتساح، واعتزاز القصر الملكي بالتراث الكنتي.
وتناول بعده الدكتور سيدي عمر بن شيخنا كلمة، تحدث فيها عن “الأبعاد المغاربية والصحراوية والسودانية، في التجربة الجهادية للشيخ عابدين الكنتي”، أصل فيها للفكر الجهادي لدى الشيخ، إزاء التواجد الإستعماري في المنطقة، والسياق التاريخي للإمبريالية الأروبية، التي أدكت الحس النضالي في النفوس. واعتبر الأستاذ الشيخ عابدين، أبرز المجاهدين في الوقوف ضد المستعمر الفرنسي، مستغلا خبرته العسكرية في ذلك، ومما ساعده تحالفه مع ايت خباش وعناصر من عين صالح.
أبرز الأستاذ تفاصيل مهمة في سبيل تكوين معرفة بالدور الجهادي للشيخ، ضد المستعمر، وكيف خاض معارك مع معاونيه في توات وتنبكت وأزواد وغيرهم، سنوات الثمانينات والتسعينات من القرن الثامن عشر، ملحقا بذلك هزائم بالفرنسيين.
لم يكن تحرير الصحراء والمغارب من فرنسا أمرا سهلا، خاصة ما قامت به الأخيرة من تقويض الجوانب الإقتصادية والإجتماعية .
رفعت الجلسة الأولى وانطلقت الثانية، برئاسة الدكتور محمد بوزنكاض، أستاذ وباحث في التاريخ بجامعة ابن زهر، ومنسق ماستر الدراسات الصحراوية والأفريقية بكلية الاداب والعلوم الإنسانية ابن زهر أكادير، وعنوان الجلسة موسوم ب: إسهامات المدرسة الكنتية المختارية في التجديد الديني، والنهوض بالفكر في الصحراء وأفريقيا.
وقد عبر الدكتور عن سعادته بالتواجد في المقام العلمي الذي يحتضن علماء وباحثين من دول أفريقية مختلفة، وكذا أكد على أهمية الموضوع ككل، ومساهمته في التعريف بالمدرسة الكنتية المختارية، في ربط جسور التواصل بين المغرب وأفريقيا.
وأطر هذه الجلسة كل من الدكتور يحيى أبو البراء، والدكتور محمد المختار جيي، والدكتور عبيد خليفي، والدكتورة تربة بن عمار، والدكتور الشيخ ولد الزين.
وساهم يحيى ابو البراء بمداخلة موسومة ب: مظاهر اشعاع الزاوية المختارية بين دفتي الصحراء، تطرق فيها إلى، روافد الطريقة الكنتية، منها الفاضلية القادرية، والجيلانية لعبد القادر الجيلاني، وتطرق إلى انتشار الطريقة عبر علماء إلى مناطق مختلفة سواء في الصحراء والمشرق، على غرار السيوطي والمغيلي، وقد ساهم هذا الأمر في تشكل الخريطة الصوفية في عديد المناطق، بواسطة رجالاتها وعلمائها.
بعدها عرفت الجلسة مداخلة أخرى للدكتور عبيد خليفي، موسومة ب: أولياء الصحراء، العشق والفناء ، وتطرق فيها إلى مفاهيم الصحراء والولاية والصلاح، وانصهارها مشكلة عامل في تجانس خريطة التصوف بالفضاء الصحراوي، ماساهم في اختراق البنيات الاجتماعية والاقتصادية، عبر الرمزي والأدبي، وتطرق إلى الكرامات والقصص المرتبطة بتشكل التصوف.
وبعده جاءت مداخلة، الدكتور الشيخ الإمام، رئيس رابطة علماء موريتانيا وأفريقيا بعنوان الشيخ سيدي المختار الكنتي مجددا، وتطرق فيها إلى أهمية مكانة الشيخ العلمية، والشخصية المجددة لدى الشيخ، وإلمامه بجوانب متعددة في الفقه والأصول والنوازل والقضايا الدينية.
ومن جهته تناول الدكتور محمد المختار جيي، رئيس الجامعة الإسلامية بمنيسوتا الولاية المتحدة الأمريكية فرع السنغال، ورئيس الرابطة العربية الإفريقية، مداخلة بعنوان: المدرسة الكنتية ودورها في نشر الإسلام والثقافة العربية في أفريقيا جنوب الصحراء.
تطرق فيها إلى الطريقة القادرية في أفريقيا جنوب الصحراء، وتطورها وخصائصها وأدوارها في نشر الإسلام، مبرزا جهود العلماء في ذلك.
وأخر مداخلة هي للدكتورة تربة عمار، من جامعة نواكشوط، وهي موسومة ب: التجديد الديني والإسهام السياسي، للشيخ سيدي المختار الكنتي، انطلقت من اشكالية التصوف كنزعة دينية مع مجالس الحسن البصري، ومع عبدالقادر الجيلاني ورمزيته، مشيرة كذلك إلى حضور العقيدة الأشعرية والتصوف الجنيدي.
ولعل نموذح الشيخ سيدي المختار الكنتي قد وافق بين الدين والسياسة، ماجعله متميزا على قدماء عصره. يكمن غنى المداخلات، في كونها تصب في إنجازات الشيخ محمد المختار الكنتي، في مجال الصحراء الكبرى وسائر البلاد المشرقية والمغاربية. وتتميز المداخلات بكونها مادة علمية غنية، في رسم معالم بحثية لهذا الإرث المتجذر في الصحراء.